غريب أمرنا نحن المغاربة. يحار في تحليل أوضاعنا أعتى المتخصصين الاقتصاديين وجهابذة علم الاجتماع والأنتروبولوجيين، ويجدون أنفسهم عاجزين عن فك أسرار معادلتنا، التي لم تأت بها خوارزميات أو رياضيات أو علم أو منطق. نحب التبذير، و”كا نبغيو نعيشو” ونعشق “التمخميخ” و”عينينا كبيرة”، رغم أن أيادينا قصيرة.
ما تقوله أرقام الوزارات والمؤسسات المختصة، عن تراجع القدرة الشرائية والأزمة الاقتصادية وتداعيات الجائحة على جيوب المواطنين، في واد. أما الواقع، وما نراه ب”العين المجردة” ونلمسه في حياتنا وسلوكاتنا اليومية، في واد آخر.
في رمضان، “يتقاتل” المغاربة في المخبزات والأسواق الشعبية على “الكرواسان” والخبز و”البريوات” وغيرها من “الشهيوات” اللذيذة التي لا تخلو مائدة منها، حتى في أفقر البيوت. نصف الطعام أو أكثره يرمى في الأزبال. ويتحدث البعض عن 360 مليون خبزة ترمى في القمامة سنويا، في ظل أزمة القمح العالمية وغلاء ثمنه في الأسواق الدولية، وفي ظل تداعيات الجائحة والحرب على الأمن الغذائي لبلد فقير مثل بلدنا.
في الأعياد والمناسبات، وبدونها أيضا، تجدهم طوابير أمام صناديق الأداء في محلات بيع الملابس. أما “القيساريات” و”القريعات”، فتكاد تلفظ زبناءها من كثرة الاكتظاظ. يشترون كل شيء، من “صنادل الميكة” التي توجد في بيوتهم ب”العرارم”، إلى “البيجامات” و”الجلالب” وحقائب اليد و”زيد وزيد” من “بوشرويط”، الفائض على خزانات ملابسهم.
الاكتظاظ نفسه تجده في المقاهي والمطاعم والملاهي الليلية، حيث يتسابقون على حجز الطاولات ب”أوساكها” و”شيشاتها” و”بيراتها”. بل “عطاتهم خاطرهم” أن يشتروا تذاكر لحفل “مالوما” بـ 1600 درهم للتذكرة، مقابل سويعات من “النشاط” والرقص على موسيقى مغن كولومبي “بوكوص”، لا يكلف الاستماع إلى أغانيه عبر “يوتوب” فلسا.
في العيد “الكبير”، لا بد من شراء “الحولي بكرونو اللي صايك الرونو” حتى ولو باعوا أثاثهم. ولا عزاء لمن لم يشتر “الصردي” الذي يتجاوز ثمنه 5000 درهم، رغم أن السوق تتوفر فيه خرفان ب800 درهم، حسب ما صرح به السيد الوزير.
يبذرون الماء، رغم مسيرات العطش. لا يقتصدون في الطاقة، رغم أن العالم يراهن اليوم على الطاقات البديلة بعد ارتفاع الأسعار وتلوث المناخ. ثم يتباكون في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الغلاء والفقر والهشاشة. إنهم لا يملكون ثقافة ترشيد النفقات، ويحبون التبذير الذي يجعلهم “يتسلفون” و”يتكلفون” من أجل لحظة عيش هنية… أما الغد، فهو في علم الغيب، وليس لناظره قريب.