بقلم: عبد الله النملي
إن عددا كبيرا من المواطنين لا يحسنون استخدام الهاتف لمحمول، بل واستعملوه استعمالا خاطئا حتى وصل الأمر إلى أن نغمات الأغاني دخلت كل مساجدنا، ولعل هذا الواقع الجديد الذي أحدثه التوسع في استخدام الجوال، هو ما دفع بعض أئمة المساجد إلى إحداث صيغ جديدة بعد إقامة الصلاة عند رص الصفوف، كقول أحدهم: “استووا، استقيموا، أغلقوا هواتفكم رحمكم الله!”، وقد دعته الحاجة إلى تذكير الغافلين من المصلين قبل الشروع في الصلاة إلى ضرورة إغلاق الهواتف رغبة في إقامة صلاة خاشعة بلا منغصات.
ولعل أكثر ما يُحْزنني، هو انبعاث أصوات الأغاني والرنات أثناء الصلاة، حتى وصل الأمر إلى أن أئمة المساجد أصبحوا ينبهون، قبل كل صلاة، إلى إغلاق المحمول، وألصقت الملصقات الصغيرة والكبيرة لهذا الغرض، ولكن لا حياة لمن تنادي، فتجد الواحد يقف في الصلاة ثم يرن هاتفه المحمول بصوت عال بنغمات راقصة وأغان صاخبة أو أناشيد مختلفة، بل إن هناك من المصلين من لا يجد حرجا في الرد على المكالمات الهاتفية في الوقت الفاصل بين الأذان والإقامة، ولا يقوم بإغلاق المحمول إلا إذا شرع المؤذن في الإقامة، وأحيانا كثيرة يتعمد بعض المصلين أن يتركوا هواتفهم الجوالة مفتوحة أثناء الصلاة، فإذا رنت أخرجوا هواتفهم من ملابسهم وأطالوا النظر في رقم المتصل، وقد يردون على المكالمة وهم يتجاوزون الصفوف والمسجد مزدحم بالمصلين، فإذا حصل هذا الإزعاج وجئت تعتب عليه بعد الصلاة، يقول لك إنني نسيت، وهذا عذر أقبح من ذنب..
وللتغلب على هذا الخطأ، على المصلي غَلْقُ هاتفه بمجرد الدخول للمسجد، والتحقق من ذلك، وليكن شعاره “سأغلق المحمول وأتصل برب العالمين”، لأن احتمال أن يتصل به أحد قائم، وفي الرنين الصادر من الهاتف إزعاج وتشويش على المصلين، أما إذا كُنْتَ من رجال الأعمال الذين يَخْشَون ضَياع أعمالهم وهم في الصلاة، أو ممّن ينتظرون مكالمة مهمة، فاجعل هاتفك في وضعية الصامت أو الرجّاج، وهي أخف ضررا، وهذه الخاصيات متوفرة في الهواتف المحمولة، فإذا حدث ونسيت إغلاق هاتفك ثم رَنَّ وأنت تصلي، فأَخْرجه وأَغْلقه تماما، فكثير من المصلين يَحدث لهم هذا الفعل، ظَنّا منهم أن ذلك مُبطل للصلاة، والأمر ليس كذلك، بل الصواب هو إخراجه وإغلاقه بسرعة، حتى لا يزيد في شغل المصلين عن خشوعهم، لأنه يجوز الحركة اليسيرة في الصلاة، وقد ثَبَتَ في الحديث أن ((النبي صلى الله عليه وسلم أمّ الناس في المسجد، فكان إذا قام حمل أمامة بنت زينب وإذا سجد وضعها))، كما يجوز قتل الحية والعقرب في الصلاة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فَيُؤْخَذُ من هذين الحديثين أن الحركة في الصلاة، إن كانت لحاجة، جائزة، لا تُبطل الصلاة.
الأئمة والخطباء في مختلف المساجد، يواجهون تشويش الهواتف المحمولة بالوعظ والإرشاد وتعليق الملصقات داخل المساجد، لتذكير الوافدين على بيوت الله بإغلاق هواتفهم وقطع الصلة بكل ما هو دنيوي خلال الصلاة، ورغم هذه الإجراءات، ما يزال الهاتف المحمول يزعج المصلين، وقد اختلفت تجارب دول العالم الإسلامي في التصدي للظاهرة، حيث أصبح الجميع يتفق أن المسألة تجاوزت كل الحدود، وتستدعي رد فعل حازم حفاظا على مكانة المسجد، وفي بعض دول الخليج مثل قطر، تتم محاربة الظاهرة بتوزيع مطويات أمام المساجد على المصلين، لترشدهم إلى النتائج السلبية لترك الهواتف مفتوحة داخل المسجد، وما يمكن لرنينها وموسيقاها أن يُسبباه من تشويش على أجواء الخشوع، أما في مصر، فقررت إدارة أحد المساجد، توقيع غرامات مالية على المصلين في حال صدور رنات من هواتفهم المحمولة أثناء الصلاة، لإجبار المصلين على غلق هواتفهم أثناء الصلاة..
ونظرا للفشل الذريع الذي لقيته كل المبادرات، ودروس الوعظ والإرشاد، وتعليق الملصقات وحتى توقيع الغرامات في محاصرة ظاهرة التشويش بالهواتف المحمولة على المصلين، فقد لجأت بعض الدول، مثل الكويت والجزائر وتركيا وكينيا، إلى تركيب أجهزة تشويش بالمساجد على المحمول في حالة رنين أحد هواتف المصلين، بعد أن يئست إدارات المساجد من إلزام المصلين بإغلاقه، من أجل مزيد من الخشوع في الصلاة، وأجهزة التشويش على المحمول بالمساجد، هي عبارة عن نظام لمنع البثّ الموجي الملتقط من تلك الأجهزة، وتعطيل أجهزة الجوال من الاستقبال والإرسال، ومنع وصول الذبذبات إلى أي جهاز داخل المسجد، كما يمكن تثبيتها بكل سهولة بأي جهة من جهات المسجد، بحيث تستطيع تعطيل إشارات الإرسال والاستقبال في مساحات تتراوح بين 500 و600 متر مربع، وهو ما يعني قُدرتها على إبطال عمل الهواتف في جميع أنحاء المسجد. وعادة ما يتم تركيب أجهزة التشويش بمبادرة ذاتية من إدارة المسجد أو بتبرعات المصلين، بعد أن اشتكى العديد من المصلين في مساجد دول عديدة من كثرة رنين أجهزة الهاتف الجوال أثناء الصلاة، وقد لقيت المبادرة استحسانا كبيرا من المصلين في هذه الدول، وطالبوا بتعميمها في جميع المساجد.
وبالمغرب، كلنا نصادف يوميا بكل مساجدنا، وفي كل أوقات الصلوات، رنات هاتف نقال تَعْلو مع تكبيرة إمام، أو رنين هاتف جوال يَشْدو بأغنية حب بقلب المسجد وفي عز الصلاة، وحتى في يوم الجمعة، بل أكثر من ذلك في صلاة التراويح برمضان، ليجد المصلون أنفسهم مُرغمين على سماع أصوات مغنيات بدل الإنصات إلى الإمام، ورغم تذكير الأئمة بضرورة غَلْق النقال، إلا أن العادة تتكرر يوميا، حتى صار عاديا أن تعترض صلاتك بعض الوصلات الغنائية، تأخذك من موقفك بين يدي الله إلى إحدى القنوات الغنائية الفضائحية، وما إن يتوقف محمول حتى ينطلق رنين آخر، ورغم أن العديد من الأئمة خَصّصُوا خُطبا ودروسا في هذا الشأن، وذكّروا المصلين بحُرمة هذا التصرف، وأنه يشغلهم عن عبادة الله، إلا أن سهو الداخلين إلى المسجد يوقع المصلين في المحظور، ويجعل صلاتهم متأرجحة بين القَبول والبُطلان.. فمتى ستعمم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية خدمة التشويش على الهواتف المحمولة في المساجد، تقيدا بالاحترام الواجب لبيوت الله ؟
الأسبوع الصحفي