شهد دوار أكادير نايت طالب بجماعة سيدي بوعل، باشوية إلمكرت، دائرة إغرم بإقليم تارودانت، على مدى عدة أيام، فعاليات الدورة السابعة من مهرجان الرمى تازكارت، المنظم هذه السنة تحت شعار: “الأرض تنبت الحلم والشباب يروي الأمل”. وقد شكّل المهرجان حدثاً بارزاً في المنطقة، ليس فقط باعتباره فضاءً للاحتفاء بالموروث الثقافي الأمازيغي، وإنما أيضاً كمنصة لعرض مشاريع تنموية محلية وتجارب جمعوية تسعى إلى تعزيز دور الثقافة والفن في بناء مجتمع متماسك وقادر على استشراف المستقبل.
فن الرمى، الذي يعد جزءاً أصيلاً من الهوية الثقافية الأمازيغية، كان محور هذه الدورة، حيث أبرز المشاركون أبعاده المتعددة التي تتجاوز الجانب الفني لتلامس القيم الإنسانية والروحية الراسخة في المجتمع المحلي.. فهو تعبير عن التضامن والتعاون وصلة الرحم، كما يمثل جسراً للتنمية، يربط بين الثقافة والعمل المجتمعي. وانطلاقاً من هذا المعطى، عملت اللجنة المنظمة على تصميم برنامج متكامل يمزج بين الأنشطة الفنية والتربوية والتوعوية، في محاولة لتجديد أدوار المهرجان وتحويله إلى فضاء للتربية على المواطنة وتعزيز الانتماء إلى الأرض
والهوية.
وعلى مستوى الفقرات المبرمجة، تميّز المهرجان بثراء ملحوظ، حيث انطلقت الأنشطة يومياً بجلسات ترحيب رسمية تخللتها كلمات لرؤساء الجمعيات المنظمة، قبل أن يفسح المجال لفقرات ثقافية وتوعوية تستهدف مختلف الفئات العمرية. ومن أبرز هذه الأنشطة مسابقة تجويد القرآن الكريم التي أطرها أئمة المنطقة وشهدت مشاركة واسعة من أبناء الدواوير المجاورة، لتكون بذلك لحظة روحية جامعة بين الأجيال. كما نُظمت مسابقات ثقافية اتسمت بالتنافس والحماس، وفتحت المجال أمام الجمهور للتفاعل وتبادل المعرفة. في المقابل، برزت العروض التوعوية التي أبدع في تقديمها شباب المنطقة، حيث اختاروا أسلوباً مرحاً وسلساً للتطرق إلى قضايا اجتماعية وتربوية، ما خلق فضاءً للنقاش البنّاء بين مختلف مكونات المجتمع المدني.
أما على المستوى الفني، فقد خصصت الأمسية الأولى للاحتفاء بفن أحواش الأصيل، حيث اعتلى خشبة المهرجان فريق “أحواش شباب إداونيظيف” بقيادة المايسترو محمد بن عيش، الذي ألهب الأجواء بإيقاعات وأهازيج أمازيغية عريقة. وقد ساهم في إغناء الأمسية حضور شعراء مرموقين مثل إبراهيم ابرويش والحبيب أزكري، الذين أضفوا على الحفل لمسة شعرية مميزة. ولم يقتصر الحفل على الجانب الفني، بل تخللته أيضاً لحظة تكريمية تم خلالها تقديم شواهد تقديرية كعربون امتنان للفنانين والفرق المشاركة، في إشارة إلى تقدير اللجنة المنظمة لقيمة التراث المحلي.
وفي اليوم الختامي، عاش جمهور المهرجان لحظات مميزة من خلال تتويج الفائزين في مسابقات الرسم والقصة القصيرة التي جرت صباحاً، والتي أتاحت للأطفال والشباب فرصة التعبير عن إبداعاتهم. وفي الفترة المسائية، استمتع الصغار بفقرات ترفيهية أطرها المنشط عماد بوطاس، الذي أضفى أجواء من الفرح على فضاء المهرجان. أعقب ذلك عرض كوميدي ثنائي أمتع الجمهور، قدّمه الفنانان لحسن مغيميمي، المعروف بلقب “شانشيرو”، ولحسن اجاران، الملقب بـ “هرموش”، واللذان أضافا لمسة من البهجة والضحك. أما المسك الختامي، فقد كان مع فرقة “أحواش بنات اللوز”، اللواتي قدمن لوحات تراثية مبهرة شدت الجمهور بأهازيجهن وإيقاعاتهن الأصيلة، مجسّدات بذلك جمال الموروث الثقافي الأمازيغي في أبهى صوره.