يصر المغاربة على الاحتفال ب»العيد الكبير»، ولو «طارت معزة». لا يهمهم أن تتزامن هذه المناسبة «اللحمية» السعيدة مع جائحة قضت على الأرواح والجيوب، أو جفاف أتى على الأخضر واليابس، أو أزمة اقتصادية، أو حرب كونية تهدد بإبادة نووية للعالم وما فيه. فلا شيء يعلو اليوم فوق ثغاء «الحولي».
الغريب في الأمر، أن نسبة كبيرة من المحسوبين على عداد «الميسورين»، توقفوا، منذ سنوات، عن الاحتفال بعيد الأضحى، لأسباب متعددة. فالمرأة اليوم أصبحت عاملة ولم يعد لديها الوقت الكافي، ولا الجهد أو الصحة، من أجل القيام بالطقوس «على حقها وطريقها»، بدءا بغسل «الدوارة»، وصولا إلى نشر القديد، كما أن أبناء اليوم، أغلبهم لا يأكلون «الغنمي» ويفضلون «ماك دونالد» أو «السوشي»، فلمن سيشتري رب الأسرة هذا «المبروك»؟ وبدل هذا الصداع والمصاريف و»تمارة»، يفضلون السفر والاستمتاع بالعطلة و»تبدال المنازل». أما «المحفحفون في الأرض»، «المزاليط»، فيبذلون الغالي والنفيس ويبيعون «اللي وراهم واللي قدامهم» ويقترضون من البنوك ويدخلون في حلقات مفرغة من «دارت»، فقط من أجل «الصردي». وقد يصل الأمر إلى خلافات عائلية خطيرة وإلى طلاق، بل إلى جرائم قتل داخل الأسرة نفسها، إذا سولت لرب البيت نفسه، أن يقتني للعيد خروفا صغيرا أو نعجة هزيلة. فماذا سيقول الأقارب والجيران؟
ولعل كثيرين يتذكرون حين منع الملك الراحل الحسن الثاني، المغاربة من الاحتفال بالعيد، بسبب الجفاف، فامتثل البعض للقرار الملكي، وغامر البعض الآخر بشراء الكبش في الخفاء، وذبحه سرا، ف»نصايص الليل»، في تحد لدعوة أمير المؤمنين، غير آبه بالعقوبات المترتبة عن ذلك. وهذه الواقعة وحدها، دليل حي وساطع على «عبادة» المغربي ل»الحولي».
بالمناسبة نفسها، التي ترتفع فيها أسعار الأكباش في «العلالي»، إلى درجة أنها وصلت في إحدى الضيعات إلى 4 ملايين سنتيم للكبش الواحد، وكأنه معلف ب»الكافيار» و»السومون فومي»، تكثر السرقات و»الكريساج» في الشوارع وأمام الشبابيك الآلية للبنوك، ويسطو فقراء على أرزاق فقراء مثلهم، فقط من أجل اقتناء خروف العيد، وتبيع أسر فراشها وتلفزيونها وآلة تصبينها مقابل مبلغ مالي يمكنها من شراء العيد. وهو ما يجعلنا أمام طرح العديد من الأسئلة التي تفرض نفسها اليوم، وبإلحاح، في ظل ما نعيشه من ارتفاع في الأسعار وتراجع في القدرة الشرائية للمواطنين. هل باستطاعة المغاربة شراء الأضحية في ظل هذه الظروف؟ وماذا يمكن أن يقع إذا استغنينا عن الأضحى، علما أنه ليس فريضة، مثلما أجمع على ذلك العديد من الفقهاء، وإذا قام به واحد من هذه الأمة، فكأنما قام به المسلمون جميعا؟ ثم، هل للأمر علاقة بالدين فعلا؟ أم أنه الإصرار على الحفاظ على عادة توارثتها الأجيال آباء عن جدود؟ أم أن الأمر يتعلق فقط ب»اللهطة» و»التهاويشة»؟ في هذا الملف، محاولات للإجابة.
نورا الفواري يومية الصباح